رعد أطلي. يشهد يوم الرابع والعشرين من الشهر الجاري الانتخابات البرلمانية الألمانية التي تحدث كل أربع سنوات، وتحدد المستشار القادم لألمانيا، وشكل القرارات السياسية التي تتخذها الدولة عموماً عن طريق الجهاز التنفيذي المتمثل بالمستشار والوزارء، والجهاز التشريعي الذي يسن القوانين والمتمثل بأعضاء البرلمان المنتخبين.
ويشارك في الانتخابات الألمانية 65.5 مليون ناخب مسجل، يدلون بصوتين الأول لصالح المرشح المباشر، والثاني لصالح الحزب، أي المواطن ينتخب ممثله المباشر، والحزب الذي يراه ممثلاً لتوجهاته ومصالحه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي يأتي البرلمان المؤلف من 598 نائباً نصفه من اشخاص منتخبين مباشرة والنصف الآخر يتم تقسيم مقاعده نسبياً بين الأحزاب حسب حجم الأصوات التي حصل عليها كل حزب.
يتنافس في الانتخابات ما يقارب ثلاثين حزباً أهمهم الاتحاد المسيحي الديمقراطي “CDU”، والذي تنتمي له المستشارة أنجيلا ميركل، والاتحاد المسيحي الاشتراكي “CSU”واللذان يخوضان الانتخابات معاً، والحزب الاشتراكي الديمقراطي “SPD” الذي يتزعمه المرشح لصفة المستشار مارتن شولتز، وحزب ألمانيا البديل “AFD”، وحزب الخضر “Grüne” وحزب اليسار “Linke”، والحزب الديمقراطي الحر “FDP” الذي لم يتمكن من الوصول إلى نسبة الأصوات التي تدخله برلمان 2013، حيث لا يحق لأي حزب دخول البرلمان الاتحادي “البوندستاغ” إلا إذا تحصّل على نسبة 5% من عدد الأصوات بالحد الأدنى.
وامتلأت بمناسبة الانتخابات شوارع ألمانيا بصور المرشحين وملصقات الأحزاب التي تعبر عن برامجها السياسية وخطتها للفترة القادمة في قيادة ألمانيا في حال تم انتخابها، وتعددت توجهات البرامج وموضوعاتها، ولكن بالمجمل كان التركيز على الأمن والتسليح والاقتصاد والتعليم وملف الهجرة واللجوء وسوق العمل، وموضوع ناتج عن ملف الهجرة بشكل الرئيسي وهو الهوية الثقافية لألمانيا، وكذلك يتحدث العشرات من المرشحين عبر القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية ووسائل التواصل الاجتماعي لعرض وجهات نظرهم ورؤية أحزابهم لألمانيا الأربع سنين القادمة، وفي هذا التقرير تركز أبواب على موقع ملف الهجرة واللجوء وغيره من الملفات المتعلقة من خطط الأحزاب الرئيسية المتنافسة.
لم يغير حزب “CDU” من وجهة نظره من ملف اللجوء، بل دافعت المستشارة الألمانية ورئيسة الحزب أنغيلا ميركل عن قراراتها التي اتخذتها عام 2015 حول سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين وأنها كانت قرارات صائبة حينها، ولكن الاتحاد المسيحي في الوقت نفسه يسعى إلى تخفيض مستمر لأعداد اللاجئين، وكذلك تسهيل هجرة من يحملون عقود عمل إلى ألمانيا، ولكن يريدون ترحيل الذين تم رفض لجوئهم دون قيود، وفي مناظرتها مع منافسها مارتن شولتز لم تعتبر تدفق اللاجئين على ألمانيا خطراً يهددها بقدر ما هو تحدٍّ لها، وأن ألمانيا استفادت من العولمة كثيرا في تطوير اقتصادها وتحقيق ازدهارها، لذلك فمن الطبيعي أن تستجيب لتحديات العولمة وعدم الانعزال عن مجريات العالم مثل ما يحدث في سوريا والعراق وأفريقيا، في حين يطالب حزب ال “AFD” بوضع حد أدنى لعدد المرحلين سنوياً، اي أن يكون هناك عدد واضح ومحدد من االلاجئين والمهاجرين يتم ترحيلهم سنوياً من ألمانيا، كما أنه على لسان مرشحه ألكسندر غولاند يرى أن على اللاجئين أن لا يدخلوا ألمانيا ويقدموا طلبات لجوئهم خارجها أو حتى خارج أوروبا في حال كان لهم حق اللجوء أصلاً، أما “FDP” فيرى أن سياسة الباب المفتوح كانت خاطئة، في حين ميركل لا تريد الاعتراف بخطئها حسب ما صرح به رئيس الحزب كريستيان لندنر في مقابلة له على قناة DW في الرابع والعشرين من شهر آب الماضي، وأن اللاجئين يجب أن لا يحصلوا سوى على إقامة مؤقتة ويتم ترحيلهم فور تحسن الأوضاع في بلادهم، ومع ذلك فهو لا يبدي الحزب معارضة باستقبال اللاجئين، بل ويطلب تسريع منحهم الإقامة لتسهيل اندماجهم في سوق العمل، من ناحية أخرى ابتعد الاتحاد المسيحي واليمين عموماً عن سن قانون للهجرة في حين طالب “SPD” ومعه “Grüne” بقانون للهجرة حسب النقاط كما هو معمول عليه في كندا حيث تُسجَّل نقاط على اللغة والعمل والسن، أما حزب “Linke” فقد طالب بأن تصبح ألمانيا “بلداً مفتوحاً للهجرة”.
كما يتداخل ملف الأمن بشكل شديد مع ملف الهجرة واللجوء، وتطالب كل الأحزاب الألمانية الرئيسية برفع عدد أفراد الشرطة، في حين يطالب AFD الذي يأتي في المرتبة الثالثة بنسبة مؤيدين تصل 10% مستفيداً من حركة اللجوء الضخمة التي شهدتها ألمانيا في عامي 2015 و2016 بأن يتم التركيز على محاربة الجريمة في صفوف الأجانب.
الملف الأهم هو ملف الاندماج، وما يستتبعه من نقاش حول هوية ألمانيا الثقافية، فالأحزاب اليمينية في الوسط وأقصى اليمين تطالب بمنع ازدواجية الجنسية للجيل الثاني، أي أن الجيل المولود في ألمانيا عليه أن يختار بين الجنسية الألمانية وجنسية بلده الأصل، ويتبنى اليمين مبدأ “الثقافة الرائدة”، والتي يراها الاتحاد المسيحي على أنها سلسلة من القيم والقدرات مثل اللغة والقدرة على المردودية والمساواة بين الرجل والمرأة، أما حزب الAFD فيرى من ناحيته الثقافة الرائدة هي الثقافة المسيحية الألمانية وأن الإسلام لا ينتمي لألمانيا، وتركزت حملته الانتخابية على ذلك، حيث ملأت ملصقاته التي ترفض استقبال المهاجرين وبشكل الخاص المسلمين الشوارع، من مقولات مثل “ألمانيا الجديدة نبنيها بأنفسنا” إلى التركيز على الحجاب والبرقع الذي لا يرتديه إلا مئات في كل ألمانيا من خلال ملصقات تظهر نساء بالبكيني كرفضٍ للبرقع، إلى غيرها من الملصقات، ويطالب أيضاً بعدم توريث الجنسية وعلى الجيل الثاني أن يختار بين ألمانيا وبلاده، في حين يرفض اليسار الألماني المتثمل بال SPD وال Grünen وال Linke مبدأ الثقافة الرائدة، ويطالبون بالتعددية الثقافية لألمانيا كما يؤيدون ازدواجية الجنسية للأجيال المولودة في ألمانيا، ويطالب حزب اليسار بتسريع عمليات التجنيس.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن ميركل وحزبها المؤيد من المزارعين وأصحاب المهن الحرة، وخاصة المسنين والمؤمنين ويغلب على مؤيدي الاتحاد المسيحي أصحاب المستوى التعليمي دون الوسط، تشير الاستطلاعات إلى أن الاتحاد ما زال في المقدمة بنسبة تتأرجح بين 38 و39%، بينما يأتي ثانياً مارتن شولتز وحزبه الاشتراكي الديمقراطي الذي ينحدر مؤيديه من عمال المصانع والنقابات العمالية من الطبقة الوسطى بنسبة 25%، ويأتي حزب البديل اليميني ثالثاً بنسبة 10% بحظ وافر من المؤيدين الرجال في العشرينات والثلاثينات من أصحاب الدخل المتواضع، ولا تشكل النساء أكثر من 15% من نسبة مؤيديه، ويأتي بأرقام متقاربة بنسبة تتراوح في محيط ال8% حزب اليسار من الطبقة العاملة وقليلي الدخل والمتواضعين علمياً وخاصة في ألمانيا الشرقية، وحزب الخضر الذي يتحدر مؤيديه من المدن الكبيرة والأوساط الجامعية ومعظمهم في العقد الثلاثيني ويعملون في مجال الخدمات والتعليم، والحزب الديمقراطي الحر الذي يأتي معظم مؤيديه من أعمال المهن الحرة بشكل خاص أطباء الأسنان والصيادلة والمحامين وبأعداد أقل من الموظفين.
حسب استطلاعات الرأي حتى الآن فإن أي ائتلاف حكومي وأي مستشار قد يصل إلى قيادة ألمانيا في الفترة القادمة سيكون بطريقة أو بأخرى في صالح اللاجئين، ولكن أيضاً سيكون هناك صوت معارض لهم بشدة في البوندستاغ إذا ما تمكن حزب البديل لألمانيا من دخول البرلمان، بعد أن تمكن من دخول 16 برلمان محلي من أصل 19 في الانتخابات الإقليمية.