أقرّت الحكومة الائتلافية الألمانية مجموعة تدابير ضمن ما عرف بأنه “أول قانون اندماج في تاريخ ألمانيا” ولم تمضِ ساعات على حزمة القرارات هذه، إلّا وبدأت ردود الأفعال حولها تظهر، مشكلّة لغطًا كبيرًا بين أوساط الألمان واللاجئين، إذ إن هذا النوع من القوانين التي تضع شروطًا على اللاجئين وتطالبهم بمقابل ما، يعني بشكل من الأشكال، الاعتراف بألمانيا كبلد هجرة، وهو الأمر الذي يشكل حساسية أمام الشعور الوطني القومي لدى المحافظين الألمان، بدورها اعتبرت المستشارة ميركل أن هذا القانون “إنجاز” عبّرت عنه بقولها: “إنّها المرّة الأولى بتاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية”، هذا القانون سيعرض على الحكومة بتاريخ 24 نيسان/أبريل الجاري للموافقة عليه، وتشمل هذه القرارات تحديد مكان الإقامة للاجئين، وعدم منح حق الإقامة الدائمة لمن لم يبذل جهدًا في الاندماج وتعلّم اللغة الألمانية، بالإضافة لحق التدريب المهني للاجئين أثناء فترة تعلمهم، ومائة ألف وظيفة لطالبي اللجوء.
التقت “أبواب” بالمحامية الألمانية والناشطة في حقوق الإنسان والخبيرة في قضايا اللجوء والهجرة “نهلة عثمان” وحاورتها حول القانون الجديد، وما يتضمنه من نقاط إيجابية وسلبية، حيث ترى عثمان أن إحدى عشرة نقطة من أصل خمس عشرة تستحق التوقف عنها ونقاشها وهي:
- مائة ألف فرصة عمل إضافية ضمن ما يعرف بالـ “يورو جوب”:
ترى نهلة عثمان أن “هذا النوع من العمل لن يساعد اللاجئين على الاندماج المهني التخصصي، الحكومة تعتقد أن هذا النوع سيسهل على اللاجئين الانخراط بنظام العمل، ولكن هذا غير صحيح، لأن هذا النظام لن يسمح للاجئين بعرض خبراتهم المهنية، واللاجئون بطبيعة الحال يعملون في هذا النظام منذ فترة دون فائدة، فعلى سبيل المثال في مقاطعة “بايرن” منذ شهر آب/أغسطس 2015 حتى كانون الثاني/يناير 2016 يوجد (9.100) لاجئ يعملون في قطاع الـ “يورو جوب” ولكنهم لم يستفيدوا، هذا النظام سيكلّف الحكومة تقريبًا 450 مليون يورو، ومن الأفضل أن يتم صرفها على دورات اللغة أو التدريب المهني في الخبرات التي يمتلكها اللاجئون عوضًا عن ذلك”.
- تخفيض مبلغ المساعدة لمن لا يلتزم بدورة اللغة:
“هذه القضية كبيرة جدًا، المشكلة الكبرى أن اللاجئين يريدون الدخول في دورات اللغة، ولكن في فترة طلب اللجوء لا يحق لهم، باستثناء المدن الكبرى، وهذا أمر غير قانوني، فبطبيعة الحال يأخذ اللاجئ مبلغًا قليلاً يسمّى الحدّ الأدنى، فإذا تم تخفيضه فهذا أمر ضد الإنسانية”.
- تسهيل التدريب المهني لمدة عامين لطالبي اللجوء الذين لديهم فرصة في البقاء:
“هذا أمر جيد، ولكن لماذا لعامين فقط؟ هذا أمر مطلوب حتى بعد العام 2018، توجد مشكلة أخرى في هذه الفقرة، فهي تصنع فوارق غير منطقية بين اللاجئين، إذ إن هذا الأمر متاح فقط لمن لديهم فرصة أكيدة في البقاء في ألمانيا، أما اللاجئون الأفغان مثلاً فسيستثى 77% منهم من هذا الحق، حتى السوريون الذين لديهم بصمة في إحدى الدول الأوروبية لن تكون لديهم الفرصة لتعلّم اللغة أو الحصول على التدريب!”
- نظام الكشف عن المعلومات وبطاقة الإقامة الموحّدة:
“هذه نقطة مهمة عوضًا عن بطاقة الإقامة المؤقتة، وهي تتيح للاجئ بعد ثلاثة شهور الحق في العمل، ولكنهم يتحدثون عنها منذ زمن طويل، وإلى الآن يوجد أكثر من 600.000 لاجئ لم يحصل عليها، لذلك على الحكومة تسريع العمل بهذا البند”.
- تكاليف الترجمة تتكفل بها الحكومة:
“هذه أيضًا نقطة جيدة، إذ يجب على اللاجئ عند مراجعة الدوائر الرسمية أن يتحدث الألمانية، وإن كان جديدًا ولا يعرف، فعليه أن يأتي بصحبة مترجم، واللاجئ لا يملك القدرة على دفع أجور الترجمة، بعد هذا القرار ستتكفل الحكومة بدفع تكاليف الترجمة”.
- تحديد المدة الأقصى للكفالة بخمس سنوات:
“كان هذا الأمر مفتوحًا، ومن أتى بكفالة يمكن أن يبقى عليها لفترة غير محدودة، الآن اختلف الأمر، بعد خمس سنوات تسقط الكفالة ويمكن الحثول على الإقامة الدائمة في حال وجود عمل ولغة”.
- الحق بالبقاء في ألمانيا لمن صدر بحقه قرار ترحيل إن كان يقوم بالتدريب المهني:
“من حصل على “دولدونغ” إقامة مؤقتة، أي تم رفض لجوئه، وكان يقوم بالتدريب المهني، لن يتم ترحيله، بل سيعطى إقامة مؤقتة طوال فترة التدريب، ولا يمكن ترحيله خلالها، بعدها سيحصل على ستة أشهر للبحث عن عمل، هذه نقطة جيدة ولكن الأفضل أن يمنح إقامة عادية لا مؤقتة، لأن الإقامة المؤقتة لا تعطي حق لم الشمل أو التنقل”.
- تعطيل فقرة أفضلية العمل للألمان والأوروبيين:
“كانت الأمور عادة تجري بشكل غير إنساني، حيث كانت حين تتاح فرصة عمل ما، ينظر للمتقدمين، الأفضلية للمتقدم الألماني، إن لم يجدوا ألمانيًا، فالأفضلية لمواطن أوروبي، وفي حال عدم وجود متقدم أوروبي يحق للاجئ أو المهاجر الحصول على العمل، هكذا أصبح الأمر أكثر عدالة”.
- لا يمنح حق الإقامة الدائمة لمن لم يندمج:
“قانونيًا الأمر صعب جدًا، فقانون اللجوء ينص على منح اللاجئ حق الإقامة الدائمة بعد ثلاث سنوات، دون أية شروط تتعلق باللغة أو العمل، وهذا النوع من الشروط صعب ولا يمنح الاستقرار للاجئ الذي لن يكون متأكدًا من مستقبله في هذه البلاد، وعليه؛ فلماذا يبذل جهدًا تجاه أمر غير مؤكد”، وتعقّب: “اللاجئون يريدون الدخول في دورات اللغة، ولكن لا يوجد أماكن، وبالأرقام مثلاً في عام 2016 حصل 95.000 لاجئ على حق اللجوء، في عام 2015 حصل 141.000 لاجئ تقريبًا على اللجوء، إذن لدينا أكثر من 230.000 لاجئ يحق لهم المشاركة في دورات اللغة، بالإضافة للذين ستقبل طلبات لجوئهم لاحقًا وهي قيد الدراسة، فالأماكن التي ستفتتح والتي عددها 300.000 من الآن لا تكفي، والمقاعد مكتملة، فكيف يمكن أن تعاقب اللاجئ على عدم مشاركته في دورة اللغة، ودورات اللغة بالأصل لا تكفي؟!”
- تخفيض 34 يورو من المساعدات للاندماج:
“هذا الأمر غير قانوني وغير إنساني، ولا علاقة له بالاندماج، وأستغرب أن يوضع هذا البند في قانون للاندماج”
- تحديد سكن اللاجئين وإلزامهم به:
“تحديد سكن اللاجئين ومنعهم من الانتقال، أمر ضد حقوق الإنسان “اتفاقية جينيف المادة 26” وضد الاتفاق الأوروبي “المادة 33″ حيث تكفل القوانين حق التنقل للاجئين، هذا الأمر انتهاك لحقوق الإنسان، وحتى من حصل على الحماية، فقد حصلنا في المحكمة الأوروبية العليا بتاريخ 1-3-2016 على قرار بمنع تحديد السكن حتى لمن حصل على الحماية، كما أن لدنيا قانون آخر يمنع التمييز بين اللاجئين، أو بين الأجانب، فمثلاً من يأتي بهذه الأوقات ضمن برامج لم الشمل لن يتم تحديد سكنه، ويمكنه التنقل!، هذا التمييز غير مقبول أيضًا. المشكلة الكبرى حين يتم إلزام اللاجئين بالبقاء في قرى صغيرة، هناك لا يمكن للاجئ تحقيق عمله الحر أو إيجاد عمل أو إكمال الدراسة، وهذا كله لا يساعد على الاندماج”.
وعند سؤالها عن تصريح بعض المدن والولايات بأن أعداد اللاجئين فيها أكبر من غيرها، أجابت: “الحق هنا بالتأكيد ليس على اللاجئين، بل على الخطة الحكومية والاستراتيجية الخاطئة لاستقبال اللاجئين، هذه المبالغ الضخمة التي تصرف هنا وهنا، يجب أن تصرف على بناء وحدات سكنية في مدن كبيرة يستطيع اللاجئ دفع ثمنها، يجب أن يحصل اللاجئ على نفس الفرصة التي يحصل عليها المواطن في المدن الكبرى، التمييز بين البشر أمر غير مقبول”.
ولكن هنا يجب السؤال، حرية التنقّل ألا يمكن أن تصنع أحياء من طبيعة واحدة أو عرق واحد أو جنسية واحدة؟ حتى بناء الوحدات السكنية، ألن يجعل من هذه الوحدات مناطق للأجانب أو اللاجئين وبالتالي مناطق من لون واحد؟ ترد عثمان: “لا، في حال تم وضع هذه الوحدات في مدن كبرى بين التجمعات الألمانية، بحيث ينخرط الجميع مع بعضهم، ويجب ألا تكون حصرًا للاجئين، يمكن للألمان من ذوي الدخل المحدود السكن فيها، وعليها أن تكون في أحياء جيدة يسكنها الألمان، بحيث يذهب أبناء اللاجئين وأبناء المواطنين إلى مدارس واحدة، أنا ولدتُ هنا في ألمانيا بمنطقة مختلطة، ودرست في مدرسة غالبيتها من الألمان وبالتالي استطعت الاندماج بشكل أفضل، وأفضل مثال على ذلك، اللاجئون الذين استطاعوا أن يسكنوا في بيوت عائلات ألمانية، أنا شخصيًا أعرف شابًا سوريًا أحضر عائلته بكفالة، وعائلة ألمانية هي التي كفلتهم، وسكنوا في بيت العائلة، الأول دخل إلى الجامعة، والثاني استطاع الاندماج مع فرقة موسيقية في المدينة، وهكذا، الاندماج يصبح أفضل حين يعيش الناس مع بعضهم”.