د. علياء كيوان
بما أن مواقع التواصل الاجتماعي اجتاحت العالم بكل شيء، فإن أسرار البيوت أصبحت مكشوفة أكثر، وانفتح الستار عن كثير من الأمور التي كانت مختبئة ضمن أربعة حيطان، فلم يعد هناك طابق مستور كما تعودنا، وانحسر هذا المفهوم المتوارث كثيرًا، مما جعلنا نواجه قصصًا كنا لا نسمع عنها أو نراها إلا في الأفلام العربية.
فهذه تكتب سطور ألم حياتها تحت اسم مستعار أو رقم في إحدى الصفحات الفيسبوكية التي تعنى بنشر هذه القصص، أو ربما ضمن مجموعات نسائية مغلقة، وصاحبة المشكلة بلا شك قد ضاقت بها السبل وفقدت الثقة بكل من حولها من البشر، وسلمت قرارًا تبحث عنه إلى العالم الافتراضي فتكتب: “لو سمحتم بدون اسم. أنا أعيش حياة مريرة، فزوجي يضربني ويهين كرامتي ويحرمني من الخروج منذ جئنا إلى ألمانيا. أنا تعبت ولا أهل لي هنا، فماذا أفعل؟ ساعدوني يا أهل الخير”.
هذه مجرد قصة تمثل مئات القصص التي نراها ونقرؤها بشكل يومي والردود على مثلها تبدأ بقذائف الشتائم على الزوج الذي لا يمت للرجولة بشيء، والذي يظن أن رجولته تزهو بإهانة امرأة، وتعليقات أخرى تأخذ مسار النصح والموعظة الحسنة، وأخرى انهزامية بالقبول بما قسمه لها الله، وأن تصبر على مصيبتها من أجل أطفالها، وتعليقات جريئة أخرى تأخذ منحى أن تتخذ موقفا قويًا وتبلغ الشرطة أو تفر بنفسها إلى دار النساء أو أي مؤسسة لحماية الأسرة.
ولكن ما أسباب هذا العنف الجسدي والنفسي الذي تتعرض له المرأة العربية المغتربة؟ رغم أن مفهوم العنف منتشر في مجتمعاتنا العربية وهناك أسباب كثيرة لذلك، ومهما تعددت الأسباب فهذا لا يبرر العنف، فأي مشكلة زوجية لا بد من حلها ضمن أصول وقواعد وقوانين.
وربما يجدر بنا أن نشير إلى التقديرات العالمية التي نشرت من قبل منظمة الصحة العالمية، والتي تفيد بأن واحدة من كل 3 نساء (35%) من النساء في أنحاء العالم كافة، يتعرضن في حياتهن للعنف على يد شركائهن الحميمين أو أزواجهن.
ولكن أهم سببين للعنف من الأسباب التي شهدناها على صفحات التواصل الاجتماعي:
– أولاً: الخيانة الزوجية
وهي من أكثر ما قد يلفت أنظارنا من ضمن المشاكل الموجودة على صفحات التواصل أو في بيوت النساء خصوصا عندما تسأل عن سبب تعرض المرأة للعنف.
فالمرأة التي تكتشف خيانة زوجها وتصارحه بالأمر يكون رد الفعل مصاحبًا بالنكران والعنف والتهديد بالطلاق أو الطرد من المنزل، أو أن عليها أن تصمت وتحمد الله على نعمة زواجها به، وبذلك يضمن هذا الرجل حرية أوسع للمضي في خيانته. وقد ازدادت هذه الحالات في الآونة الآخيرة، وذلك بسبب الخروج من منظومة مجتمع تحكمه عادات وتقاليد وثقافة العيب إلى مجتمع مفتوح بالكامل، وعملية تكوين علاقة مع أنثى أخرى ليست عملية معقدة، لا سيما أن الثورة التكنولوجية سهلت ذلك كثيرا، فلا يشترط أن يكون هناك علاقة حميمة، بل إن الخيانة أيضا بالمراسلات والصور والمحادثات وغيرها.
وفي مثل هذه الحالات لا يمكن للمرأة أن تسكت إلا إذا لحقتها منظومة المجتمع الانهزامي بأن تصبر من أجل أطفالها، وظل راجل ولا ظل حيطة! ولو سكتت فإن حرب الخيانة لن تهدأ، ومعها فإن العنف النفسي والجسدي سيستمر.
ولكن الكثير من السيدات لا ترضى لها كرامتها بالسكوت، بل تقف في وجه الخيانة والعنف، وقد تتصل بالشرطة أو تطلب تدخل الجيران أو تذهب وتشتكي بنفسها، مما يترتب عليه تدخلات من الشؤون الاجتماعية من أجل التفريق وحماية الأطفال، رغم أن الأطفال هم المتضرر الأكبر من كل سلسلة المشاكل التي بدأت منذ اكتشاف الخيانة. فهم إن بقوا صامتين، يكفيهم تحطم الثقة في مثلهم الأعلى وهو الأب، وشعورهم بالذنب والأسى تجاه أمهم، وكذلك بالإحراج من أصدقائهم أو جيرانهم.
- ثانيًا: البطالة
وهو بنزين أخر لنشوب العنف ضد المرأة. رغم إن لا حول لها ولا قوة في هذا الموضوع، إلا إن الرجل الذي كان عاملاً أو موظفا أو صاحب مصلحة في بلده، وكانت له حياة روتينية، وجد نفسه جالسًا في البيت تحت رحمة البيروقراطية الألمانية، مما زاد من الضغط النفسي الذي يواجهه. يبدأ الرجل بتفريغ هذه السلبية على من في البيت، والحلقة الأضعف دائما هي المرأة، رغم إن كل ما ذكر ليس مبررا لذلك. فهذه الزوجة هي لحم ودم وقد عانت أيضا الحرب وتركها لوطنها وأهلها والحضور إلى مجتمع جديد، ولكن مع تفاقم مثل هذه المشاكل ستتدخل الشرطة أو الجيران وتبدأ مأساة تفكك أسرة تلو الأخرى.
لست في مكان وضع حلول اجتماعية، فببساطة هناك مؤسسات خاصة واستشاريون/ات لديهم الحلول، ولكن ما أريد قوله هو إن طابق العنف لم يعد مستورًا، ولا تسانده أي شريعة كونية أو مجتمعية. ولا بد أن يعرف الرجل أن أساس الحياة الزوجية مشاركة، ليس بينه وبين أنثى اختارها فحسب، بل هناك أيضًا أطفال يتشربون كل ما يرونه أمام أعينهم من أفعال وأقوال تبقى عميقة في نفوسهم، وقد تترجم إلى سلوكيات عنيفة في المدارس، أو فشل بالدراسة أو انطواء على الذات أو عقد نفسية، خصوصًا عند البنات التي ستربط العنف بالرجل، وهذا مؤشر كاف لمعلمات المدارس لاتخاذ خطوات قانونية والتبليغ عن مثل هذه الأسر.
ورسالتي للمرأة المعنفة ألا تنتظر من صفحات التواصل الاجتماعي حلولاً لتخليصها من العنف، فالمرأة التي تحترم ذاتها لا بد لها من رفض كل أشكال العنف، والتركيز في مستقبل أطفالها، وإنقاذهم من هذا الجحيم الأبدي.