أثارت بعض الحوادث المتعلقة بالتحرش بالأطفال مؤخرًا القلق بين أوساط اللاجئين في ألمانيا، خاصة المقيمين في الصالات الرياضية والمخيمات التي لا ينعم سكانها بالخصوصية. هذه الحوادث، وإن كانت قليلة، إلا أنها تستحق الوقوف عندها لمعرفة طرق الوقاية منها وكيفية التصرف في حال حدوثها.
التحرش بالأطفال موجود وحقيقي، ويجب أن يؤخذ دائما بعين الاعتبار، وفقًا للدكتور محمد الدندل، وهو طبيب نفسي سوري مقيم في اسطنبول. هذا التحرش له عديد من الآثار النفسية، فهو حكمًا يؤثر على حياة الضحية في المستقبل بشكل سلبي.
محاكمة الضحية لا الجاني
يقول د. محمد إن ضحية التحرش عندما تصل لسن البلوغ تأخذ منحى الشعور بالعار ولوم الذات بسبب عدم مواجهة المتحرش، حيث تعيد تقييم تجربة التحرش بمنطقه/ها وتجربته/ها بعد البلوغ، بمعنى أنها تحاكم نفسها كطفل تعرض للتحرش بمنطقها الحالي، وهذا أمر قاس. عادة ما تكون الضحية طفلًا ويكون المتحرش بالغًا له سلطة على الطفل، وقد يكون أبًا أو أخًا أو صديقًا للأسرة أو مدرسًا، وبالتالي فهو قادر على خداع الطفل وتهديده. بسبب صلة القرابة أو القرب من العائلة وكون علاقة المتحرش بالطفل خارج مسار الشبهة والشكوك، فالأهل يعطونه الأمان ليكون بقرب الطفل. وبالتالي فهذا يضع الطفل في موقع العجز والحيرة، والمحاكمة العقلية للطفل غير كافية ضمن هذا الوضع المأزقي ليتخذ الإجراء المناسب، فهو عادة يضيع بين الحيرة والخوف من التهديد ويتخوف من تقبل الأهل في حال الشكوى لأحد الوالدين. هذا للأسف يطيل فترة التحرش.
لذا، فالنتيجة بالمطلق ضارة وسلبية للضحية، وقد تقود لحالات متطرفة من الاضطرابات النفسية، أقلها القلق والاكتئاب ونقص تقييم الذات، وقد يتحول بعض الضحايا أنفسهم إلى متحرشين عند البلوغ.
دور الأهل في التوعية
على الأهل أن يضعوا إمكانية حدوث تحرش لأطفالهم نصب أعينهم، وبالتالي أن يكونوا منتبهين دون أن يتحولوا لحمائيين أو يثيروا الخوف لدى الطفل، عبر تواصل الأهل مع أطفالهم وتنبيههم إلى مسألة الآخر. مثلاً، ننبه الطفل أو الطفلة إلى أن هناك نوع من اللمس منطقي وطبيعي، وأن هناك خصوصية لجسده، وبالتالي غير مسموح لأي كان بأن يلمسه بطريقة غير مناسبة. وعندما يشعر أن هناك لمس غير مناسب، عليه أن يخبر الأب أو الأم. مجرد وضع هذه المعلومة لدى الطفل قد يكون كافيًا.
وهنا أيضًا على الأهل دور مهم من ناحية توعية الطفل وحمايته، فلا يجوز أن يلمس أحد جسد الطفل بمواضع معينة مهما كان، حتى لو كان الأخ أو العم أو الخال، وحتى من النساء. كذلك فإن المبالغة في التقبيل والعناق قد تكون مقدمة للتحرش، وبالتالي علينا تنبيه الطفل إذا شعر أن هناك من يقوم بعناقه وتقبيله بطريقة مبالغ فيها أو لمس مناطق معينة في جسده حتى لو بشكل غير مباشر.
الحديث مع الطفل وتشجيعه على اللجوء للأهل إذا شعر بأي شيء غريب أو مزعج هو مفتاح النجاح. يمكن أن يبدأ هذا التنبيه من عمر 4 سنوات، فالطفل بعد عمر 4 سنوات عادة ما يذهب للحضانة وتتسع دائرة احتكاكه الاجتماعي.
اللجوء إلى الاختصاصيين
كذلك يجب على الأهل اللجوء للاختصاصيين عند ملاحظة أي اضطراب بالسلوك عند الطفل، فقد يكون مؤشراً على تعرض الطفل لتحرش دون علم الأهل. الاضطراب قد يظهر بشكل عدوانية أو غضب أو خوف أو عزلة أو تراجع دراسي، أو رفض الذهاب للمدرسة، خاصة عندما تظهر بشكل غير مسبوق. أيضًا من المؤشرات التي قد تدل على حدوث تحرش لجوء الطفل لتمثيل العملية الجنسية أثناء اللعب، مما قد يكون علامة على تعرض هذا الطفل للتحرش.
أثناء العطل والتجمعات العائلية علينا تجنب السماح بنوم الأطفال بمجاورة بالغين حتى لو كانوا من العائلة، فكثير من حالات التحرش تتم في هذه المناسبات، والانتباه إلى الفترات التي يقضيها الطفل مع بالغ إذا كانت زائدة عن الحد، مما يوحي بالتمهيد لعملية تحرش. كذلك على الأهل الانتباه إلى أي علامات على جسم الطفل أثناء تبديل ملابسه أو شكوى الطفل من ألم غير مبرر.
بحال ملاحظة أو الاشتباه بتحرش يجب احتضان الطفل ودعمه وإشعاره بأنه ضحية وليس جانيًا، وتخفيف المشاعر الغريبة التي قد يشعر بها، وإظهار دعم حقيقي وعدم لوم الطفل على الإطلاق، فاللوم من أي نوع خاطئ في هذه المرحلة. التحرش عادة سلوك الكبار تجاه الأطفال، فهو خارج مدارك الطفل وعالمه، بل هو سلوك مقحم من قبل الكبار على عالم الطفل. قد لا يفهمه، خاصة إذا كان يشعر بالأمان تجاه المتحرش، ومن السهل الايقاع بالطفل خاصة من المقربين. الطفل غير قادر على حماية نفسه بنفسه، وكل التركيز يجب أن يكون على دعمه وتطمينه، وعدم التردد في اللجوء للاختصاصيين فهذا هو الحل الأمثل لمعالجة الحالة بوقتها لتجنيبه الشعور بالعار وفقدان تقدير الذات.
ما هو التحرش الجنسي بالأطفال؟
يعرف الدكتور محمد التحرش الجنسي بالأطفال بأنه قيامُ بالغٍ بعملية تأخذ منحى جنسيًا مع فتاة أو شاب تحت 18 حتى لو بيوم، فهذا حسب القوانين يعتبر تحت بند ممارسة الفحشاء مع قاصر. وحتى لو كان ذلك برغبة القاصر أو بمبادرته، فهذا لا يعفي الجاني من العقوبة. وهذا أيضا حسب قوانين الصحة العالمية.
قد يتعرض الطفل أيضًا لتحرش من طفل أكبر سنًأ إذا كان بين الطفلين فرق كافٍ بالعمر، أما بين الاطفال من نفس العمر، فقد تكون أي تصرفات ذات منحى جنسي نوعًا من الفضول أو التقليد لشيء شاهده الأطفال، ويدخل تحت بند اضطراب السلوك لدى الأطفال. ومن الطبيعي التنويه على الأهل بالحفاظ على خصوصية العلاقة بينهما وعدم تعريض الطفل لمشاهدتها أو سماعها، فقد يفهم الطفل أنها عملية تعنيف ومن المؤكد أنه من الخطير القيام بعلاقة زوجية على مرأى أو مسمع الأطفال.
الانفتاح على الأطفال ورعايتهم هو السبيل الوحيد لحمايتهم، شرط ألا يتحول لسيطرة أو إثارة القلق والخوف لدى الأطفال. علينا تركه يعيش عالمه وعلاقاته لكن تحت المراقبة، وتشجيعه على ابلاغ الأهل عند وجود أي تصرف غير مناسب.
الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي
قد يتعرض الطفل أيضاً للتحرش عبر الانترنت، وهذا شيء جديد لكنه يدخل ضمن نفس النطاق، أي وسائل التواصل الاجتماعي. الطفل عندما ينفتح على العالم الافتراضي فهو عرضة للاستدراج لعمليات التحرش. علينا أن نعرف مع من يتواصل الطفل حتى افتراضيا، وهذا يحدث عندما تكون العلاقة آمنة مع الأهل. أما عندما يكون هناك اضطراب بالعلاقة بين الأهل والطفل ويغيب جو الأمان والشعور بالحب المجاني تجاه الطفل فهذا يجعل متابعة الطفل أصعب. عندها يصبح الطفل أميل للانغلاق على الذات والبحث عن مصادر أخرى للأمان والحب المفتقد. إذا كان الطفل محرومًا فهذا يجعله أقل تحصينًا، وقد يجد الجاني في هذا بابًا لاستدراج الطفل. بناء علاقة آمنة مع الطفل هي مسؤولية الأهل بالمطلق، ولا يلام الطفل على الإطلاق في حال غيابها.
أما عند شك الأهل بوجود تحرش، فعليهم عدم التستر على الجاني من منحى قانوني أخلاقي إنساني، لإنصاف الطفل من جهة، وكسر هذا التابو الاجتماعي وتشجيع الضحايا الآخرين على تلقي المساعدة.
ويوجه د. محمد تحية كبيرة لكل أسرة تقود الأمر إلى منحاه القانوني فهذا يحتاج شجاعة كبيرة ويعبر عن وعي عائلي، ويمنع المجرم وغيره من ارتكاب جريمة أخرى.
اللجوء إلى الشرطة فورًا
من الناحية القانونية، تفيد المحامية نهلة عثمان، وهي محامية ألمانية سورية، أن على الأسرة فور اشتباهها بحدوث تحرش جنسي بالطفل أن تبلغ السلطات. “على الأسرة اللجوء فورًا للشرطة، حتى لو كان لديها مجرد شك دون إثبات، فمن الواجب على الشرطة تحري الأمر والبحث فيه، لذا من المهم جدًا تقديم شكوى بشكل فوري.”
كيف تتم توعية الطفل؟
نقاط مهمة حول الحديث مع الطفل وتوعيته تقدمها السيدة سهام حسن، وهي أخصائية نفسية ومرشدة أسرية من مصر:
- بداية، من المهم أن يدرك الأهل أن توعية الطفل ليست قلة أدب، ولا يعتبر الكلام فيها من العيب، لأن الطفل لو تعرض للتحرش قد يسكت لأنه يظن أن من المعيب الحديث حول الموضوع، وهناك عدة علامات قد تشي بحدوث تحرش.
- علينا أن نقترب من أبنائنا ونتابع معهم بالتفصيل يومهم في المدرسة، وملاحظة لو عاد الطفل من المدرسة باكيًا أو منطويًأ أو متعبًا، فعلينا أن نسأله فورًا إذا تعرض لمضايقة من أي شخص.
- لو بدأ الطفل يعاني من اضطرابات نوم ويصرخ دون سبب وهو نائم، أو فقد شهيته للأكل أو بدأ بالبكاء عند سؤاله عن شخص معين أو يعبر عن رغبته في عدم رؤية هذا الشخص، أو عدم الذهاب إلى المدرسة، فعلينا الانتباه.
- على الأهل الانتباه لو أصبح الطفل يعاني من تبول لا إرادي أو التهابات في منطقة الأعضاء التناسلية، أو لاحظت الأم وجود ورم أو خدوش، أو بدأ يلمس أعضاءه التناسلية بشكل مفرط أو يردد كلمات نابية.
- لو لمّح الطفل لوجود سر بينه وبين شخص معين، أو أصبح يحضر ألعاب وحلويات كثيرة يأتي بها إليه شخص معين.
أما عن طرق توعية الطفل، فتقول السيدة سهام إن أهمها:
- منع الطفل من خلع ملابسة أمام أي شخص حتى يتعلم الخصوصية.
- تعليمه أن عليه إغلاق باب الحمام وعدم السماح لأي شخص بالدخول للحمام مع الطفل، ولو وجد غيره في الحمام أن ينتظر خروجه. أما إذا أصر شخص آخر على مرافقته في الحمام في المدرسة مثلاً، فعليه إبلاغ معلمته.
- عدم الاستحمام مع أي شخص حتى يفهم وجود حدود ومسافة بينه وبين الناس يجب الحفاظ عليها واحترامها.
- عدم النوم في فراش واحد مع أي شخص مهما كان.
- عدم الجلوس في حضن أحد وعدم التقبيل من الفم أبدًا حتى على سبيل التدليل.
- توعية الطفل للفرق بين اللمسة المقبولة واللمسة غير المقبولة لأماكن معينة في الجسم.
- عدم مداعبة الطفل في منطقة الأعضاء التناسلية حتى أثناء الغيار، كي لا يظن أن هذا التصرف عادي إذا صدر من شخص غريب.
- عدم منح الثقة المطلقة للمحارم وأطفال العائلة والأصدقاء والمعلمين والمشرفين في الباصات والمدربين في النادي.
- عدم تناول أي شيء من الغرباء حتى الحلوى والمرطبات.
- عدم فتح الباب لأي شخص إذا كان الطفل في البيت بمفرده.
- عدم إجبار الطفل على تقبيل أحد أو احتضانه.
- تعليم الطفل حدود سلطة الآخرين عليه، مثلاً أن يطيع المدرس فيما يخص كتابة الواجبات، وسائق الباص في أساليب الحماية وركوب الباص والنزول منه، أما غير ذلك فلا.
- تعليمه ألا يقبل صداقة أحد في لعبة أو طلبات الصداقة في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن يبلغ أهله إذا راسله أحد أو أرسل إليه صورًا خليعة.
يبقى أن توعية الطفل ومد جسور الثقة معه، وطلب المشورة من المختصين، وإبلاغ السلطات عن أي اشتباه بتعرض الطفل لأذى، جميعها تحتاج إلى شجاعة الأهل وانفتاحهم وتفهمهم. ولعل هذا هو العامل الأول والأساسي لحماية الأسرة وتنشئة أطفال أصحاء الجسد والعقل.