توجهت أعداد هائلة من اللاجئين الفارين من الحروب والأزمات في الشرق الأوسط إلى أوروبا، واختلاف القانون والثقافة بين المجتمعات الأصلية لهؤلاء اللاجئين من جهة والمجتمعات المضيفة من جهة أخرى، خلق مشكلات عديدة وطرح الكثير من القضايا والتساؤلات التي أصبحت حديث السوريين اليومي حتى خارج أوروبا.
إحدى هذه المشكلات أخذت منحى مختلف من التهويل والمبالغة أو الفهم الخاطئ، من خلال تقييم النتائج دون الرجوع إلى الأسباب الحقيقة، ودون أن نحمل أنفسنا وثقافتنا كلاجئين أي مسؤولية عنها، طالما أن هناك مجتمعات مضيفة يمكننا لومها، فكثر الحديث بين الأفراد وعلى مواقع الانترنت وفي الصحافة عن تحول الطلاق بين اللاجئين إلى ظاهرة، قرأت أراءً وتقارير صحفية عن حالات عجائبية يكون فيها الرجل ضحية قرار زوجته المفاجئ بالطلاق دون أي مقدمات، وبعضها تحدث عن زوجاتٍ طلبن الطلاق فور وصولهن للأراضي الأوربية مع أزواجهن، أو بعد إجراء معاملة لم الشمل وإحضار الزوجة، وللغرابة لم أجد مقالاً واحدًا يتحدث عن موقفٍ عكسي، كأن يتخذ الرجل قرارًا مفاجئًا بالطلاق مع أنها بالطبع تحدث، وكذلك لن أفاجأ أن تكون نسبة النساء اللاجئات كمبادراتٍ لهذه الخطوة أكبر فعلاً لأسباب تتعلق بمشكلات المرأة في بلادنا.
من الطبيعي أن يتوصل أحد طرفي الزواج أو كلاهما لإنهاء العلاقة الزوجية، في حال وجود مشكلة أو خللٍ ما فيها، ولكن الأمر أكثر تعقيدًا عندما نتحدث عن الطلاق في سوريا مثلاً، فالمرأة في بلادنا تعتبر الطلاق آخر مخرج من عذاباتها، ولكنه للأسف يكون غالبا مخرجًا أيضًا من حياة اجتماعية مقبولة واستقرار اقتصادي، وذلك بسبب موقف القانون والمجتمع من المرأة، وغياب التمكين الاقتصادي، وقلة أو عدم فاعلية المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني التي تقدم دعما للمرأة المطلقة أو الأم الوحيدة.
ولأن الحديث هنا لا يتسع لتضمين مواد قانون الأحوال الشخصية المجحف بحق المرأة تصريحاً، يمكنني تلخيص بعض آثاره التي تجعل المرأة تهدر شهورًا وسنوات ربما، في أروقة المحاكم في محاولة تحصيل الطلاق، في حين يسمح القانون للرجل بابتزازها بهذا الحق، كرفضه التعسفي لهذا الطلاق، أو محاولة مساومتها على حقوقها المالية كزوجة مقابل إخلاء سبيلها من هذا الزواج، وفي حال وجود أطفال ستدخل دوامة أخرى من المعاملات القانونية، للصراع على الحضانة والنفقة المالية التي يقرها القاضي، والتي غالبًا لا تكفي ثمن حليب الأطفال في حال كانت محظوظة لتثبت دخل الزوج، وعليها الآن أن تجد حلولاً للإنفاق على أطفالها، كما عليها تحمل نفقات المعاملات بما في ذلك أجور المحامين، وسيزداد الأمر صعوبةً وتأثيرًا على قرارها عندما لا تكون متعلمة أو عاملة، وتطول قائمة المواقف القانونية غير المنصفة بحق المرأة في هذا الشأن وغيره .
كما أن المجتمع العربي لا يتوانى أيضًا عن إضافة عقوباته القاسية، سواء بمحاولات ثني المرأة عن عزمها أو معاقبتها كمطلقة لاحقًا، فالمجتمع اعتاد أن يفرض على المرأة قرار الزواج أو حتى شخص الزوج في البداية، ويتعامل مع المرأة على أنها مستضعف وليست شريكًا في علاقة الزواج، كما يحملها مسؤولية استمرار ونجاح الزواج والأسرة لوحدها، من خلال إجبارها على التعايش مع خصال الزوج السيئة أو مشكلات العلاقة بحد ذاتها، مهما كانت الأسباب وحتى لو كان استمرار الزواج يهدد سلامتها النفسية والجسدية، أو مجرد حقها المشروع بالسعادة ضمن مؤسسة الزواج، في حين يقف هذا المجتمع إلى جانب الرجل إذا اتخذ هو قرار الطلاق لأنه دائما على حق، ولابد أن تكون زوجته مقصرة، كل هذا يمهد للعقاب الاجتماعي لمن تجرأت على طلب الطلاق، ويمكننا لمس ذلك بكل بساطة في تعامل العديد من العائلات العربية مع بناتهنّ المطلقات كعارٍ وعالة، وابتزازهنّ أحيانا بالإنفاق على أولادهن مقابل الانصياع لسطوة الذكور المنفقين، كما أنّ على المطلقة التعايش مع فكرة أنها أدنى من الأخريات وليس لديها فرص كبيرة في الزواج ثانيةً على أسس ترضيها كإنسان كامل الحقوق، ويضاف إلى ذلك تشديد الرقابة على تصرفاتها، واستعمال أمومتها كسلاح ضدها. كيف إذًا للمرأة أن تتخذ قرار الطلاق في مجتمعنا مهما كان ضرورةً في ظل هذا الوضع المعقد ؟!
وغالبًا ما تكون اللاجئات اللواتي تطلقن في أوروبا، قد اتخذن قرارهنّ هذا بناءً على معاناةٍ معينة أو عدم رغبةٍ في هذا الزواج أصلاً، لكن بلادهنّ لم تعنهنّ على تحصيل حق بشري يشرعه القانون والمجتمع ثم تعاقب عليه المرأة وحدها ما بين السطور، بينما ينظر القانون الأوروبي عموما للبشر وحقوقهم بعين المساواة والاحترام، دون أي تمييز على أساس الجنس أو الانتماءات الأخرى، ويدعم المرأة كما الرجل في قرار الطلاق، و يراعي دورها واحتياجاتها كأم في حال ضعف قدرتها المالية أو كونها ضحية عنف أو تعسف، لأنه ينظر للزواج على أنه شراكة عادلة بين الطرفين لا مستضعف بها، وتعمم هذه الشراكة على كل ما يخص الزواج، وكذلك يرى المجتمع هنا أن تجربة زواج فاشلة أمرٌ طبيعيٌ قد يمر به أي إنسان للكثير من الأسباب التي لا تتعلق بالزوجة بالضرورة، فلا يجبر الآباء بناتهم على العودة للأزواج، ولا توجد نظرة دونية للمرأة المطلقة بشكل خاص.
هذا كله لا ينفي حدوث قرارات تعسفية بالطلاق من قبل المرأة، أو محاولة استغلال بعض الزوجات لفرصة الوصول إلى أوروبا عن طريق الزوج قبل الطلاق، كما يوجد بعض الأزواج الذين يستثمرون القانون الأوربي لإجراء طلاقٍ شكلي، هدفه الحصول على مساعدات اجتماعية مضاعفة باستغلالٍ غير أخلاقي لدعم الحكومات للاجئين ماليًا. ولكن من المرفوض بالطبع التعامل مع الطلاق بحد ذاته على أنه فعل غير أخلاقي، أو تحميل المرأة مسؤوليته وكذلك تصوير القانون الأوربي على أنه راع ومحرض على تفكك الأسرة، ووصف حالات طلاق الأزواج اللاجئين بالظاهرة أو كتبعة للجوء، في ظل غياب أية أرقام أو إحصائيات رسمية أوروبية تؤكد ذلك.
ارتفاع حالات الطلاق في معظم المجتمعات عمومًا أمر يستحق الدراسة والبحث، لكن على أسسٍ علمية وموضوعية تهدف للحد منه، بوصف الزواج أحد أهم العلاقات البشرية وأحد وسائل الإنسان لتحقيق غايته الدائمة بالبقاء والسعادة.
مواضيع ذات صلة
المرأة بين التنزيل الحكيم والفقه
أشكال العنف ضد المرأة -الجزء الثاني- العنف الجسدي والنفسي
معلوماتٌ محجوبةٌ عن حقوقٍ لا تُحجب!