إن كان ثمة أمر يشغل أوساط السوسيولوجيين ودراساتهم في ألمانيا خلال الحولين الماضيين، فهو مسألة وضع تعريف جامع مانع للاجئ، بحيث يسهل إيجاده في المعاجم، يسهل تصنيفه، يسهل توظيفه والتعامل معه.
أما ما يُصرف في سبيل تعريف اللاجئ من وقت وجهد ومال، يجعلنا بالفعل نتساءل عن هوية الشخص أو الجهة التي تمتلك في جعبتها التعريف المنشود.
ولا يغيب عن معظم المتابعين لهذا الشأن الجدل البيزنطي الذي دار مؤخرًا في معرض هذا الطرح حول جنس اللاجئين: “هل هم لاجئو حرب؟ أم مهاجرون اقتصاديون؟” آلاف المقالات والريبورتاجات والاستطلاعات نشرتها وسائل الإعلام، وهي تبدي دهشتها من الـ “لاجئ” الذي يسافر مصطحبًا هاتفه الذكي، يخرجه مغلفًا بطبقات من النايلون، من جيبه المبتل فور وصوله متهالكًا إلى إحدى الجزر اليونانية كي يطمئن أحبته لوصوله سالمًا إلى البر الأوروبي.
وقد يسأل سائلٌ: “هل على اللاجئ ألا يستعمل هاتفًا ذكيًا؟ هل عليه أن يكون مغلوبًا على أمره، معدمًا، أميًا مسكينًا لكي يتوج لاجئًا ويفوز باللقب عن جدارة؟”. وماذا عن الشهادات والخبرات والمؤهلات التي يتمتع بها عدد كبير من الوافدين الجدد؟ أم أن تهمة “المهاجر الاقتصادي” جاهزة في حال طمح إلى شغل وظيفة تناسب مؤهلاته العلمية والعملية؟
تستولي الخيبة والاحباط على الكثيرين، خاصة ممن أتموا تحصيلهم الأكاديمي خارج ألمانيا، وكانت لهم مسيرةٌ مهنيةٌ مزدهرة في البلدان التي وفدوا منها.
وهم اليوم يعانون بشكل أساسي من ظاهرتين متناقضتين:
الأولى: إساءة تقدير ما يعانونه من صعوبات لأن مظهرهم شكلاً ومضمونًا لا يتماشى مع الصورة النمطية التي يرسمها البعض للاجئ.
الثانية: إساءة تقدير ما يسعهم تقديمه في المجالات المختلفة حتى من قبل القائمين على شؤونهم. وحصره في مجالات لا تلقى إقبالاً لصعوبتها وقلة مردودها، كالعناية بالمرضى والخدمة في المطاعم.
تحتاج نسبةٌ كبيرةٌ من اللاجئين، خصوصًا حملة الشهادات العليا، إلى الاستمرار في دورات اللغة بعد مستوى 1B لتحسين فرص إيجاد العمل المناسب، وهو ما يجد فيه كثيرون صعوباتٍ جمة. فالمكتب الاتحادي لشؤون الهجرة واللاجئين BAMF يغطي تكاليف دورة الاندماج حتى المستوى المذكور فقط.
أما اليوم، فباتت الحاجة إلى إعادة النظر في تلك السياسة أمرًا ملحًا، خصوصًا في ضوء قانون الاندماج الجديد الذي –رغم الكثير من الملاحظات عليه- يذلل نصه الكثير من العقبات، كأولوية التوظيف وشرط السن في التدريب المهني. فهل تستجيب الشركات الكبرى وأرباب العمل لمتطلبات القانون المذكور؟ هذا ما ننتظر أن تبرهنه الأشهر القليلة المقبلة.
اقرأ أيضاً